تاكسي .. take care

طول عمري اقول ان الانسان المحترم هو اللى عايش بشوية مباديء فى حياته
وبيطبقها فى المواقف المختلفة.يعنى مثلا انت واخد قرار انك ما تركبش
تاكسي عشان السواقين بيوجعوا دماغك طول السكة ..و فى النهاية لازم
المشوار ينتهي بخناقة والوقت اللى جنابك او جنابه بيوفره فى التاكسي
بيضيع ضعفه فى المعركة الحتمية اللى لازم هتحصل وانت بتدفع الاجرة ..فانت
مثلا لو راكب مشوار قصير جدا وحبيت تدي للسواق جنية ونص .. هتلاقى الوش
اتقلب جرافيك وبكل قرف من الفلوس هيقولك : هو انت راكب مشروع يا
بيه ؟!!!! هات جنيه كمان .. وشكرا ، بتبدأ هضرتك تاخد دورك فى الحوار
وتكمل السيناريو المحفوظ من نوعية لا انا على بركب بجنية ونص ..الى اخر
النص المعروف ..

انما لو كنت عامل ابن باشا وراكبلى التاكسي مسافة كبيرة ..فالمعركة هتكون
اشد واحمى بكتير لان ساعتها هيكون الفرق بين اللى انت عايز تدفعه واللى
السواق عايزه هيكون مبلغ خيال علمى ، وبالتالى النص هيختلف من هو انت راكب
مشروع الى هو انت عمرك ما ركبت تاكسي قبل كده ولا ايه يا هندززه ؟!!وتبدأ
انت كرامتك تنأح عليك وتاخد دورك فى السيناريو الوحوار . ومش بعيد تلاقى
الناس بتتلم عشان تتفرج طبعا مش اكتر ..وكل ما صوتكم يعلى عدد الناس اللى
بتتفرج بيزيد زيادة طردية مع مربع شدة صوتك ..

كل ماسبق كانت الداوفع التى بنيت عليها موقفى فى الازمة و كنت اريد منكم
ان تساعدونى على هذا القرار الحكيم وهو ان مافيش ركوب تاكسيات لحد ما
ربنا يتوب عليا واشتري عجلة كوري -مزودة بمقعد عريض .. و مرايات كهربا و
ذات تصميم رياضى جذاب .ولكن لان الانسان دايما ضعيف ..فان اليوم دا كان
صعب عليا انى التزم بالقرار المعلن سابقا .

نزلت من بيتنا قاصداُ مشوار لغاية واحد صاحبي يسكن فى ضاحية جناكليس
الكائنة فى مقاطعة الرمل ..كنت عامل حسابي انى اركب مشروع عادي ولم افكر
مطلقا فى استخدام التاكسي الاسكندراني المميز بالوانة التى لا تمت باى
صلة الى محافظة الاسكندرية التى عرفها السابقون بلون بحرها الازرق الجذاب
- قبل الصرف الصحي - ولكن تم اختيار الوان التاكسي لتكون خليطا من الاصفر
للاجزاء المتحركة من التاكسي و اللون الاسود للاجزاء الثابته منه .

دقت الساعة الثامنة من مساء ذاك اليوم .وقفت عند محطة الاتوبيس اللى على
الشارع فى انتظار المشروع التيوتا الجديد اللى مش نازلى من زور من ساعة
ما دخل مصر والسبب ان السواقين بيستغلوا قدرة دفع الموتور االعالية
وبيخلوك تجيب اللى ف بطنك من سرعة السحب اللى بعدها فرامل مفاجأة ..على
اى حالة لم يأتى المشروع اليابانى ولا غيره

كانت المحطة مزدحمة فى ذلك اليوم وممتلئة بالسيدات والانسات وبعض
الكائنات الاخري .ومن هذا المنظر رأيت اننى اذا اخذتني اخلاق الفرسان
وتركت هؤلاء النسوة ليركبوا فيرست . فلن اصل الى صديقي فى الموعد
المحدد .لم يكن امامى سوى التاكسي ...

يدي اليمنى ممتدة باتجاه عمودى على الطريق و يدي اليسرى دخل منها اطراف
اصابعى فى جيب البنطلون .ماعدا الابهام الذى كان معلقاً فى الحلقة
المخصصة للحزام فى كمر البنطلون..

لاحظت قدوم تاكسي فى وسط زحمة شارع ابو قير .وكان شاغرا .
وانطلق صوتى على الفور قاطعا الطريق ليصل الى اذن السائق

- سان ستيفانو !!!
- ولا اعلم هل توقف هو ام توقف الطريق كله لان الاشارة قفلت .
حاولت ان اتبين رد فعل السواق فظننت انه اعترض على المكان ولم يقف
لى ..كان خلفه احد ظباط الشرطة حديث التخرج يرتدي زيه المعروف للجميع
وبوط جلد اسود طويل وله من المراتب نجمتين فقط .قال لى الظابط :افتح
الباب واركب ..هيوصلك

نفذت ماقاله الظابط .ولا اعرف هل لانه الظابط او لان هذا الحل هو ما
احتاجه فى اللحظة الراهنة ؟!

فتحت باب التاكسي لتبدأ اسعد رحلة قد اقضيها فى تاكسي من قبل او من بعد .
دار الحوار كما فى النص التالى :

- انا ماكنتش عارف انت وقفتلى ولا ما وقفتليش.
- لا وقفتلك والله ..ايه هو الظابط كان بيقولك ايه ؟ والسؤال تصاحبه ضحكة
صفراء فاقع لونها .

وفى حسم شديد : سيبك من الظابط .لو مش عايز توصلنى انا انزل مش مهم .
- لا يا راجل هوصلك ..
- انت رايح فين ؟ سان استيفانو
- ان شاء الله هتطلع من ع البحر
- طبعا بس برضو البحر زحمة ديلوقتى مش عارف فى ايه .

فاصل فى وصف السواق :

كان شابا فى نهاية العقد العشريني من عمره .له وجه مربع او معين
الشكل .عينان غائرتان.وانف صغير مدبب .وشعر قد حلقه كما فى معسكرات
التجنيد والجيش .
يتكلم بطريقة شعبية جدا و تلحظ فى تصرفاته بعض التهور و الاندفاع فى
سواقته امر عادي.كان يرفع صوته مقلدا صوت الموتور "عنننننننن عننننننننن
" كلما زادت سرعة التاكسي.

اخذتنا الطرق المتشعبة حتى وصلنا الى الكورنيش .
ونحن نمر بجوار الااتوبيس الاحمر ابو دورين "لعلك تسمية نفس الاسم "
وجدت السائق الشاب يبتسم و يقول : لندن باص .

وبدا على وجهى الزهول وارتفعت حواجبي لتعلن دهشتها مما قاله الشاب
الارعن .

وسألنى : ركبيته قل كده .
- لا .اصله غالى اوى بتلاتة جنية .
- ثري اجيبشن باوند . نوت ء مونى .three egyptian puonds are no a money

- ازدادت دهشتني و لكنى لم اعلق وطننت انه شاب يدمن وهو الان تحت تأثيير
كوكو الضعيف مثلا او بهججة او صنف جديد اطلقو عليه اسم البرادعي .او
ابراهيم عيسى
ولكن تمادى فى استخدام لغته الانجليزية الركيكة .بدأ يتحدث الى سيارة
مسرعة مرت بجوارنا .. what's going on people
عندها لم اتمالك اعصابي واندفعت لاسأله
- الانجليزي ده بتاع التربية والتعليم ولا انت كنت مسافر برة ؟؟

- طب قولى الاول ايه رأيك فى الانجليزى بتاعى .
- لآ الله ينور.. اصلى
وبالرغم من اعتراضي على طريقة نطق الكلمات لم اتردد فى ان اشجعه ولا داعى
لان اجرحه او اظهر نفسي متعاليا ..

-انا كنت فى انجلترا .. زورت لندن و روحت قصر برمنجهام ومحلات هاروردز ..
وووو واخذ يعدد لى اماكن كثيرة لا اعرف منها الا ما له نادى فى الدوري
الانجليزي ام الاماكن الاخري فلم اسمع بها من قبل .

وبعد كده روحت امريكا :نيويورك واشنطن دي سي .و نيوجيرسي وكاليفورنيا ..

طبعا الكلام صار وكأنه خيال علمي بالنسبة لى .. ظننته كاذبا .
- وايه اللى رجعك ؟
- يا عم رجعونى بعد 11 سبتمبر .

- - ليه رجعوك .انت عملت ايه ..اوعى تكون ابن اخت اسامة بن لادن !!
- يا عم انا معرفش غير اسامه حسنى .
- امال ايه اللى خلاهم يرجعوك .
- اوقلك ايه بس . امريكا اللى الناس فاكره انها بلد الحرية والعدالة .دى ألعن بلد خلقها ربنا وكل اللى فيها ولاد ستين فى سبعين .انا اتعاملت هناك اسوأ معاملة .اول ما يعرفوا انك عربي . او مسلم تلاقى الوشوش اتغيرت و القرف بان عليها .ويعاملوك اسوأ ما بيعاملوا حيواناتهم الاليفة اللى بيربوها فى بيوتهم ...الخواجات ولاد الخواجات .
- انا فعلا سمعت ان المسلمين بيعانوا هناك .
- الناس هناك نوعين يا اما مش فاهمين ايه الفرق بين الاسلام والارهاب .أو فاهمين و بررضو بيكرهوك عشان انت مسلم .يعنى منتهى العجرفة و العوجان
- مع ان المفروض انهم متحضرين و مثقفين .
- هههههههه مثقفين ايه يا هندسة . دا مجتمع ما يعرفش غير ثقافة افلام هوليود و اعلانات كوكاكولا وبس .اهم حاجة فى حياتهم . يلعبوا رياضة عشان يبنوا جسم قوى .عشان يبقو شبه ابطال الافلام . اللى بيشوفوها .انما من غير عقول والله .دا فى ناس ماتعرفش اميركا دي فين ع الخريطة اصلا .
- دا غير ان مافيش امن ولا امان ..دول حاربوا العالم كله عشان برجين اتحرقوا . وهما عندهم عصابات بتموت الناس فى الشوارع باعداد اكبر من اللى ماتوا فى البرجين بكتير .
- دا الواحد كان بيحلم انه يسافر على هناك بعد ما يتخرج .وخصوصا انى سامع انهم فاتحين باب الهجرة ديلوقتى .
- تبقى دى اكبر غلطة هتعملها .اسمع من اخوك والله شوف لك اى حته تانية بعيد عن ولاد ال.....(صوت كلاكس مرتفع اضاع فرصة سماع الشتيمة)
- يعنى مبسوط انك شغال سواق تاكسي فى بر مصر ام الدنيا ديلوقتى .بعد ما كنت عايش فى امريكا وبتتكلم انجليزى .

- بعد المعاملة اللى شوفتها هناك .والله لو علموا فيا ايه هنا ماسيبهاش تانى .

- انت متأكد ..
- لو مش مصدق جرب بنفسك .
- لا ياعم وعلى ايه .
- طيب .. كنا قد وصلنا واعطيته 5 جنيهات لم يعترض عليها وكانت مناسبة فى
نظرى ونظره .
ثم ودعنى وهو يقول لى : take care