ويعتبر كتاب "التفسير والمفسرون "النموذج الأمثل لتصنيف التفاسير حسب طبيعتها ، وحسب المجالات العلمية التي تنتمي إليها.
وهناك فئة من الباحثين قد نظروا إلى التفاسير نظرة تاريخية تطورية ، فكان تصنيفهم لمناهج التفسير على الشكل التالي :
1- مرحلة النشأة : وهي تتضمن أصول كل المناهج التفسيرية التي عرفت في ما بعد . ومنهم من يسميها بمرحلة التفسير العلمي ، وهي تشمل تفسير الرسول والصحابة والتابعين .
2- مرحلة النمو والتطور : وهي التي تبدأ بتدوين كتب التفسير ، وفصله عن الحديث النبوي الشريف، وتنتهي بظهور أمهات كتب التفسير، كتفسير ابن جرير الطبري (223هـ- 310هـ) المسمى "جامع البيان في تفسير القرآن" ، وتفسير جار الله الزمخشري ( 467هـ - 538هـ) : "الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" ، وتفسير عبد الحق بن عطية (481هـ - 546هـ) : "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز) ، وتفسير الرازي (544هـ- 606هـ) "مفاتيح الغيب " ، وتفسير أبي عبد الله القرطبي (ت 671هـ) : "الجامع لأحكام القرآن ". ومن الباحثين من يسمي هذه المرحلة بمرحلة التفسير النظري.
3- مرحلة الركود : وهي التي يقتصر دور المفسر فيها على الشرح والتعليق وشرح الشروح والتلخيـص ، ومـن ثم فـالـسمة البـارزة في هذه
المرحلة هي ترديد المعارف السابقة من غير أي إضافة علمية تذكر.
ونحن نرى في هذه الدراسات والبحوث تركيزا على جانب واحد من الجوانب التي يتعين على الباحث اعتبارها عند محاولة تصنيف مناهج التفسير ، مما يجعل السمة الغالبة عليها هي السطحية وعدم الشمولية.
ومما يؤكد أن أهل السنة في تصنيفهم لمناهج التفسير لم يقتصروا على الأدوات المعرفية ولا على النظرة إلى طبيعة التفاسير التي بين أيدي الناس ، بل تجاوزوها إلى اعتبار الأصول التي ينطلق منها المفسر ، والمقاصد والأهداف التي يرمـي إلـيهـا، ما نجـده عنـدهم -وبالاخص عند ابن تيمية- من اعتبار بعض الكتب من التفسير المأثور تجوزا . بل قد لا يتحرجون من جعلها من التفسير على المذهب ، لا لأنها تعتمد المعقول أساسا ، ولكن لاعتمادها على أصول وقواعد غير التي يعتمدها أهل السنة في مباحثهم العقدية والشرعية بصفة عامة. وسنقف على ذلك بتفصيل عند حديثنا عن التفسير المأثور كما تصوره أهل السنة .
التفسير المأثور
إن كتاب ابن تيمية "مقدمة في أصول التفسير " يبين أن أهل السنة كانوا يفرقون بين المنهج والإتجاه ، وإن لم يصرحوا بذلك . فهذا الكتاب ينقسم إلى قسمين : القسم الأول -وهو يشغل جل الكتاب- عبارة عن دراسة نظرية لأسباب الإختلاف في التفسير ، مبينا أيها يتمثل منهج أهل السنة في التفسير ولا يحيد عنه أو يخالف هذا المنهج ويعارضه، وأيها ينتسب إلى منهج أهل السنة وتتخلله في بعض الأحيان سمات التفسير على المذهب . ومن ثم يمكننا أن نطلق على القسم الاول مصطلح المنهج ، والقسم الثاني مصطلح الإتجاه .
فالمنهج هو تتبع الخطوات التي نصوا عليها في مصادرهم بحيث يبدأ بالكتاب ، ثم بالسنة ، ثم بأقوال الصحابة، فالتابعين. وهذه تعتبر بمثابة أصول يعتمدها المفسر الأثري في تفسيره ولا يتجاوزها إلى الرأي إلا بعد أن يستنفد الجهد في تفسير ما يروم تفسيره منها، فإن عجز جاز له عند ذلك الإجتهاد على القواعد التي بينوها وهي أن لا يعارض اجتهاده نصا صحيحا ، أو يستند إلى نص صحيح. ومعنى ذلك أن النقل هو الأساس ، والعقل إنما يوظف في التفسير "للتصديق والإذعان، وبيان تقريب المنقول من المعقول ، وعدم المنافرة بينهما ، فالعقل يكون شاهدا ولا يكون حاكما ، ويكون مقررا مؤيدا ، ولا يكون ناقضا رافضا ، ويكون موضحا لما اشتمل عليه القرآن من أدلة ".
وأما الإتجاه النقلي وهو الذي اصطلح عليه بالتفسير المأثور فهو لا يعد أصلا ولا حجة في مجمله ، بل هو التطور الطبيعي للمنهج النقلي. وتبدأ هذه المرحلة من تابعي التابعين ، أي بدايات عهد التدوين ، ودور المفسر الاثري - في هذه المرحلة - ليس قاصرا على ترديد أقوال السابقين ، بل هو يقوم على دعامتين : الأولى صحيح المنقول ، والثانية صريح المعقول .